الرئيسة \  واحة اللقاء  \  طالبان والدروس المستفادة 

طالبان والدروس المستفادة 

26.08.2021
أحمد الهواس


القدس العربي 
الاربعاء 25/8/2021 
ترك دخول قوات طالبان إلى كابول دون قتال كثيرًا من الأسئلة ، ولعل أبرزها هل هزمت طالبان أمريكا ؟ أم أن ثمة اتفاقًا جرى بينهما على تسليم أفغانستان لطالبان؟ وما الدوافع لذلك، وهل للنمو الصيني دور في ذلك؟ 
ثمة أحداث كبرى في العالم غطّت على ما كان يحصل في أفغانستان خلال عشرين عامًا، وأسلوب طالبان في قتال أمريكا وحكومة أفغانستان، ولاسيما تصدّر أخبار المقاومة العراقية لسنوات طويلة ومن ثم أحداث بلدان الربيع العربي ولا سيما سوريا، أمر أفاد منه الخصمان أمريكا وطالبان في محادثات هادئة، رتبت لعودة طالبان دون ضجيج، فقد تراجعت أخبار أفغانستان أو لنقل تمّ التعمية عليها، ومع غياب فوضى الإعلام والتناحر الفصائلي، مع ميزات تمثل بدقة التنظيم في الرأس والقيادة والاستخبارات والمهام القتالية واللوجستية وعدم الارتهان لطرف خارجي، تمكنت طالبان من إعادة السيطرة على أفغانستان بعد أن أعادت تنظيم نفسها وهو الأهم .. 
كان احتلال أفغانستان ومن ثم العراق ، صدمة للعالم الإسلامي ، فقد تمّ احتلال البلدين تحت بند الحرب على الإرهاب ، حرب بدأها بوش الابن بعد أحداث الحادي عشر من أيلول – سبتمبر التي اتهمت بها القاعدة ودفع ثمنها بلدان مسلمان، وتنفّست إيران الصعداء، حيث أنهت أمريكا أهم عدوين مجاورين لإيران، نظام طالبان ونظام صدام حسين، لتبدأ إيران بعدها التوسع في العراق بتفاهم مع أمريكا وكذلك في سوريا بعد انطلاقة الثورة السورية ! 
نصر أم تفاهم؟ 
تضاربت الأنباء حول دخول طالبان للعاصمة كابول بعد أن تساقطت المديريات بيد طالبان منذ مايو- أيّار الماضي ، وتسارعت وتيرة السقوط قبيل دخول كابول بأيام لاسيما سقوط مزار شريف وجلال آباد يومي 14 و15 أغسطس- آب، وبعد تصريح مقتضب من قبل طالبان أنّها دخلت كابول لحماية مؤسسات الدولة وتحقيق الأمن ومنع الفوضى بعد أن فرّ الرئيس أشرف غني من العاصمة! 
اُختصر دخول طالبان على دخول القصر الجمهوري، كما اُختصر من قبل سقوط بغداد على عملية اسقاط التمثال في ساحة الفردوس، فكلا المشهدين اختصرا أو اختزلا حقيقة نهاية مرحلة ومجيء أخرى، فقد تركّزت الأنظار على وفد طالبان داخل القصر واستقبال مدير القصر لعناصر طالبان، والهدوء الذي كان مسيطرًا عليهم سواء في دخولهم أو في حديثهم الإعلامي، مشهد أرادت من خلاله طالبان إيصال عدة رسائل ، حيث بدا أن وفدها “المنتصر” كان نظيف الثياب لا تبدو عليه آثار معارك، كما أن الفريق المسلّح المرافق كان من الشباب الصغار في إشارة إلى أنّ عمر هؤلاء قد لا يتجاوز سنوات الاحتلال، وربّ رمزية أخرى تمثّلت في أنّ السلاح كان منوعًا بين الأمريكي والروسي في إشارة لهزيمة الاثنين على يد الأفغان! 
ربّما أن تأكيد دخول طالبان إلى كابول قد أثار شكوكًا حول ما حصل، وبين مصدّق ومكذّب لنصر طالبان، وأنّ ما حصل كان استلامًا وتسليمًا، وقد شاهد الملايين الطائرات الأمريكية المروحية تحوم فوق القصر وخلفه تقع قاعدة عسكرية أمريكية، ولم تبادر تلك الطائرات لإطلاق النار ولم تمنع سقوط العاصمة! 
المشككون بالنصر ، نسوا أو تناسوا أنّ أمريكا تفاوض طالبان على خروج مشرّف، وأن ثمة اتفاقًا تمّ في الدوحة في شباط- فبراير 2020 يتم فيه الانسحاب الأمريكي في غضون 14 شهرًا ، أي في 11 من أيلول- سبتمبر 2021 ، وهذا الاتفاق لم يأت عن عبث، فرغم تغييب أحداث أفغانستان، والانتصار السهل لأمريكا وتحالف الشمال كما صوّره الإعلام أو أن مقاتلي طالبان قد وضعوا خطّة للمقاومة طويلة الأمد، وقد تحدّثت تقارير أن طالبان منذ 2003 تسيطر على أجزاء واسعة من أفغانستان، أو كما كان يتردد أن النهار لأمريكا وحكومة أفغانستان والليل لطالبان! 
والمتتبع لأحداث أفغانستان، يعلم أنّ أوباما كان صاحب فكرة الخروج ، وكان ثمة غرور أمريكي أنّ بإمكانها أن تترك قوة منظمة على الأرض، وأن الجيش الذي بنته من 300 ألف مقاتل وسلحته بأحدث الأسلحة قادرين على الإمساك بأفغانستان ، رغم أن كرازي قد دعا الراحل الملا عمر للمشاركة بالانتخابات الرئاسية في 2012 ، وقال ضع سلاحك جانبًا وأسس حزبًا سياسيًا وشارك في الانتخابات ! وهذه الدعوة لم تأت من باب وطني وأن ثمة حاجة للوئام الوطني، بل من قوة طالبان التي تتنامى على الأرض. 
هل الصين داعمة لطالبان ؟ 
انقسمت الآراء حول موقف الصين مما حصل في أفغانستان، فرأي يقول إن الصين كانت داعمة لطالبان، وقد أدّى هذا الدعم لانهيار أمريكا عسكريًا وتعرضت لخسائر كبيرة اقتصاديًا مما دعاها للانسحاب . 
ورأي آخر أنّ أمريكا أدركت أنها منهزمة دون شك في أفغانستان، وقد فضّلت ترك السلاح الحديث لطالبان، فقوة طالبان مع ما تحمل من عقيدة، سيصيب الجارة الصين في تخوّف منها، ولا سيما أمام ما يتعرض له الإيغور، وأن طبيعة طالبان لن تكون محايدة أمام تلك المظالم، وربما تتحول أفغانستان لوجهة الإيغور أو تتشكل فيها جبهة مناوئة للصين تستلهم أسلوب طالبان في القتال، ولذلك سوف تجد نفسها – أي الصين – الإمبراطورية الجديدة التي ستتورط في أفغانستان! وبذلك تكسب أمريكا المعركة مع الصين دون أن تكون طرفًا فيها، بل سيكون الطرف “الإسلام” فقد غضّت الطرف عن تدخل تركيا في دعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا ، وهكذا انفتحت عقبة ناغورني كارباخ أمامها، وأصبح بإمكان تركيا أن تتصل بعمقها القومي حتى حدود الصين التي تحتل الأرض التي ينتمي لها الأتراك “تركستان الشرقية” وبذلك تكون الصين أمام قوة إسلامية متعددة على حدودها. 
بعيدًا عن التفسيرين، المهم الآن بالنسبة لطالبان يكمن في أمرين: 
الاعتراف الدولي، أي ألا تعمل أمريكا على ردّ الهزيمة المذلة بمنع الاعتراف بالحكومة التي ستظهر، وتعزل أفغانستان سياسيًا مما يؤدي لمشكلات اقتصادية قد تقلب الحاضنة الاجتماعية ضدها. 
والأمر الثاني، بناء الدولة بما تؤمن بها وكافحت من أجلها، وأن تقدّم أنموذجًا يحتذى ، فطالبان خلال تلك المدة قد أجرت مراجعات شاملة ولا شك أنّها وصلت لنتائج ستعمل على تطبيقها. 
الدرس الطالباني والثورة السورية 
فتحت انتصارات طالبان شهية الكثيرين لجلد الثورة السورية تحت ذريعة تخاذل الفصائل، ولعل ما يقال يندرج تحت بند “كلمة حق يراد بها باطل” الثورة السورية مستمرة من عشر سنوات وهزمت النظام الطائفي وشتتت جيشه، وهزمت إيران وأذرعها، وجاءت روسيا الدولة الثانية عسكريًا في العالم ومازالت في ست سنوات ومئة ألف طلعة جوية ولم تستطع هزيمة الثورة ومعها مرتزقة فاغنر وجيش من المنافقين تحت مسمى الفيلق الخامس، واستخدمت المكر والعملاء لإجراء مصالحات توهم الناس أنها حققت نصرًا وأعادت الأرض للنظام الطائفي، وكذلك جاءت أمريكا بأكبر حلف عبر التاريخ لتدمر ثلث سوريا بذريعة حرب داعش، وسلمت الأرض ومراكز الثروة الهائلة من النفط والغاز والزراعة الاستراتيجية لحزب قوات سوريا الديمقراطية، وكل هذا ولم تنته الثورة ، ناهيكم عن المال السياسي الذي فرّق الفصائل، ومن ثم قدّم ومازال لروسيا لمقاتلة الثورة .. 
هناك أخطاء نعم ، ولكن في المقابل الثورة قدمت مليون شهيد وهاجر أو هجّر نصف الشعب السوري ونحو ربع مليون مفقود أو تمت تصفيتهم في معتقلات النظام ومازال أهلها ينادون بالحرية، وإن كان من الإفادة من تجربة طالبان، فهي تتلخص أن طالبان كانت منظّمة، فمنعت تعدد الرؤوس والقادة، واعتمدت على نواة صلبة قادت حرب الاستقلال وطرد المحتل، ولم ترهن قرارها بيد أحد، بل عملت على تقاطع المصالح، حتى باكستان التي توصف أنّها من رعى طالبان غير دقيق. 
كان أسلوب طالبان حين تعرضت لغزو لا قبل لها به انسحبت من المشهد، فظنت أمريكا أنها انتصرت وانتهت طالبان، وصنعت حكومة تابعة لها، وصرفت مليارات لأجل تثبيت ما صنعت ولكنها فشلت وأدركت أن الشعب الأفغاني يخوض حربا منذ أكثر من أربعين سنة واعتاد على القتال وأنه لن يقبل أن يفرض عليه حكم من الخارج ! فضلا عن تغييرات في العالم ومنها صعود الصين وتراجع واضح لأمريكا. 
صراعات مستمرة 
استطاعت أمريكا تعطيل دور أفغانستان لعقدين، وزادت فيها خرابًا وقتلت مئات الآلاف من شعبها، وحاولت صناعة تنافر مجتمعي يؤدي لصراعات مستمرة، كذلك صنعت جيشًا ليكون ظلّها بعد خروجها كما فعلت في العراق لكنها فشلت لأسباب كثيرة، وفي مقابل ذلك خسرت نحو تريليون دولار من خزينتها وصرفت نحو 85 مليار دولار على بناء جيش تابع لها ، ولكنها تبخر ووقع السلاح الأمريكي الحديث بيد طالبان، وأجبرتها طالبان المصنّفة على قوائم الإرهاب للجلوس معها والخروج من أفغانستان في هزيمة وُصفت أنّها الهزيمة الأكبر في تاريخ أمريكا . 
ولكنها في مقابل ذلك حاولت بطريقة أو أخرى أن تفرغ نصر طالبان من محتواه، تارة بتحميل الحكومة الأفغانية أسباب انتصار طالبان، وتارة بتقاعس الجيش الأفغاني عن مواجهة طالبان ! ومن ثمة أوحت أن ما حصل ليس هزيمة لأمريكا بل كان من خلال تفاهمات مع طالبان وأنها انتصرت بحربها ضد الإرهاب التي بدأها بوش وأستمرت 20 عامًا . 

كاتب وإعلامي سوري